مفهوم العنف: العنف في التاريخ

فيلوكلوب أبريل 17, 2019 أبريل 17, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

           مجزوءة السياسة
مفهوم العنف  -  العنف في التاريخ

لم تخل أي مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني، كما لم تخل أي لحظة من لحظاته من العنف، إذ يعتبر العنف كظاهرة لازمت التاريخ البشري، أكثر من ذلك فالتاريخ  - وكما يقول فرويد - افتُتِح بالعنف؛ الذي تمثل في قتل أديب لأبيه. ويمكن الانطلاق من الواقع الإنساني أو العودة إلى الماضي، لنتبين كيف أن الوجود الإنسان شهد في ماضيه كما في حاضره واقعة العنف. كل ذلك يدفعنا إلى التفكير في العنف والتساؤل عن أصله ومصدره ، وخاصة إن كان مرتبطا بالطبيعة الإنسانية ، فارتباطه بها يؤكد عدم إمكانية استئصاله. فكيف يتولد العنف في التاريخ؟ هل يجد العنف أصله في الطبيعة الإنسانية أم أنه مرتبط بما هو ثقتفي؟ وألأا يمكن القول بأن العنف مرتبط الصراع بين الطبقات؟

الطبيعة الإنسانية أصل العنف:
يتبنى هذا الموقف مجموعة من الفلاسفة وعلماء النفس كالفيلسوف طوماس هوبز وعالم النفس سيغموند فرويد. ويمكن أن نقف عند موقف طوماس هوبز كمثال للفلاسفة الذي رأوا  في الطبيعة الإنسانية مصدر وأصل العنف.
في كتابه اللفيتان (التنين) يؤكد طوماس هوبز أنه بإمكاننا أن نجد في الطبيعة الإنسانية ثلاثة أسباب رئيسية هي مصدر النزاع، وهذه الأسباب هي: التنافس، الحذر والكبرياء. أما التنافس فيتخذ كغاية له تحقيق المنفعة والمصلحة، فالأفراد يلجؤون إلى العنف من أجل السيادة على الآخرين وعلى نسائهم وأطفالهم وخيراتهم. أما الحذر فتكون الغاية منه الحفاظ على الأمن الذاتي، حيث يتم اللجوء إلى العنف من أجل الحفاظ على ما تم تحقيقه من مصالح. أما بالنسبة للكبرياء فغايته سمعة الفرد، وهنا قد يكون العنف بسبب أشياء تافهة، حيث قد يلجأ الفرد إلى العنف بسب كلمة أو ابتسامة أو رأي مخالف، أو إشارة دالة على احتقار الشخص أو احتقار أقربائه أو وطنه...
وبالتالي  فطوماس هوبز يرىأن العنف مرتبط بالطبيعة البشرية، ومنه فحالة السلم لا تعني غياب الحرب، فالحرب كما يقول لا تكون بالضرورة قتالا فعليا على أرض الواقع، بل قد تكون متوارية في فترات السلم خلف إرادة متطلعة إلى الدخول في معركة. ولتوضيح قوله هذا يعتمد هوبز حجة التمثيل، حيث يمثل لتلك الحالة بحالة الطقس، يقول هوبز: "كما أن الطقس الرديء لا يفضي بالضرورة إلى سقوط المطر الشديد، فإن طبيعة الحرب لا تعني لا تعني القتال الفعلي في كل الأحوال، بل قد تعني أيضا المضي قدما في اتجاه الحرب طالما لم نكن على يقين بحدوث العكس".
خلاصة القول أن القول بارتباط العنف بالتاريخ هو لكون الطبيعة الإنسانية تميل إلى النزاع، لأن الإنسان يحمل في طبيعته ما يدفعه إلى العنف والحديث هنا عن : التنافس، الحذر والكبرياء .
سؤال وإحراج: أليست الطبيعة الإنسانية خيرة، وبالتالي تنتفي فرضية ارتباط العنف بالطبيعة الإنسانية؟

الصراع الطبقي هو مصدر العنف
إذا كان طوماس هوبز قد جعل الطبيعة البشرية هي مصدر العنف في التاريخ، فالفلسفة الماركسية قد جعلت الصراع الطبقي مصدرا له. فكارل ماركس لا يتصور تاريخ المجتمعات إلا بما هو تاريخ صراع بين الطبقات: صراع العبد مع الحر، صراع القن مع الإقطاعي، صراع سيد الحرفة مع المنتج العادي. هذا الصراع يمكن تلخيصه بعبارة أدق في صراع المضطهِدون والمضطهدُون. وهذا الصراع الذي هو مصدر العنف لازم تاريخ المجتمعات، رغم اختلاف تمظهراته، يقول ماركس: "نلاحظ أنه منذ العصور التاريخية الأولى كان المجتمع في كل مكان، مقسما إلى طبقات متمايزة، وفق سلم متدرج من الشروط الإجتماعية. ففي روما القديمة كان هناك سادة وفرسان، وأقنان وعبيد، وفي العصور الوسطى كان هناك سادة وشرفاء، وسادة الحرف، والحرفيون العاديون، وأقنان، كما كان هناك داخل كل طبقة من هذه الطبقات سلم تراتبي خاص". ويرى ماركس أن ذروة الصراع هي التي ستشدها المرحلة الرأسمالية، حيث يقول: "إن ما يميز عصرنا هذا، أي عصر سيادة البرجوازية، هو أنه بسَّط الصراعات والتعارضات بين الطبقات. فقد أصبح المجتمع منقسما إلى معسكرين متعاديين، أي إلى طبقتين متعارضتين تعارضا كليا ما البرجوازية والبروليتاريا".
خلاصة موقف ماركس، والماركسية عموما، أن العنف ليس متأصلا في الطبيعة الإنسانية، بقدر ما هو مرتبط بالصراع الطبقي، مرتبط بالعوامل الإقتصادية والسياسية. فالعنف ما هو إلا ظاهرة محدثة، وليس بظاهرة أزلية. وهو مرتبط بانقسام المجتمعات إلى طبقات. وهكذا يكون العنف ظاهرة لحظية، مستمرة إلا حين تنظيم الإقتصاد على أساس التشارك الحر والمتساوي.

هكذا إذن، يتبين لنا كيف أن العنف قد يجد أصله في الطبيعة الإنسانية، وقد يجد أصله فيما هو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي. ومنه فالعنف قد يكون حالة ملازمة للتاريخ الإنساني إذا كان مرتبطا بما هو طبيعي في الإنسان، لأن من خصائص الطبيعة الثبات والإستمرارية، لكنه قد يكون حالة عابرة إذا كان مرتبطا بعوامل خارج الطبيعة الإنسانية. وبين هذا وذاك يضل العنف قضية إشكالية، لا يمكن أن تقف الأقلام الفلسفية عن التفكير فيها تفكيرا نقديا عقلانياستشكاليا، ولعل من بين ما يفتحنا  عليه إشكال العنف في التاريخ من إشكالات أخرى، هو إشكال العنف والمشروعية، فهل يمكن أن يكون عنف ما عنفا مشروعا؟؟؟
إقرأ أيضا:       أشكال العنف     العنف والمشروعية

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/